سردية الاتحاد
بدأ المجتمع المدني عملية تنظيم نفسه مع بزوغ فجر الحرية في سوريا، وذلك تماهياً مع المرحلة الجديدة وتلبية لمتطلباتها التي فرضت ضرورة قيام كيان يمثل شريحة هامة وركيزة أساسية في بنية المجتمع السوري، متمثلة بالطلبة ومع هذه الضرورات بادر مجموعة من الطلبة السوريين الذي يدرسون في عدة جامعات متفرقة داخل البلاد وخارجها، بطرح فكرة إعادة بناء النشاط الطلابي السوري، والعمل على تنظيمه بشكل أكبر بهدف تحقيق مشاركة فعالة بالشأن العام، وتقديم خدمات طلابية تتثمل؛ برفع الكفاءة والقدرات وزيادة الوعي الطلابي والاقتراب بشكل أكبر من القضية السورية، بجانب بناء الهوية السورية التي بدأت تتأثر بهجرة العديد من أبناء الشعب السوري وسط وجود جيل كامل خارج جغرافيا الوطن وتأثره بهويات ثقافية وفكرية جديدة.
كما أقام الطلبة المؤسسون العديد من الورشات والاجتماعات الدورية بهدف بلورة الفكرة والعمل على تأصيلها بشكل عملي ودقيق، حيث بادر الطلبة المؤسسين في إطلاق فكرة الكيان الطلابي وذلك بالتواصل مع التجمعات الطلابية القائمة والناشطين في العمل الطلابي، تحت مسمى “الهيئة التأسيسية”. وشهدت المرحلة التأسيسية العمل على إعداد نظام داخلي يراعي الهويّة الوطنية والمبادئ النقابية التنظيمية، مستنداً على تجارب اتحادات طلابية أخرى. إذ تضمّن النظام مجموعة من المحددات؛ منها تثبيت قيم الثورة السورية الرافضة لدعم أي نظام مستبد، وبناء الدولة السورية الحديثة، الديمقراطية والانتخاب وسيادة القانون، بجانب اعتماد كل من علم الاستقلال السوري ونشيد في سبيل المجد كرموز للاتحاد.
أمّا من الجانب التقني، فقد تطوّرت الفكرة بعد تأييد عدة اتحادات طلابية للمبادرة وانخراطها ضمن مساعي التأسيس لتشكّل مجلساً تمثيلياً نيابياً بالاعتماد على مفهوم الديمقراطية غير المباشرة وليطلق عليه”الهيئة العامة التأسيسية” التي أخذت دوراً مهماً في عملية التأسيس خاصة في عملية الصياغة وإقرار النظام الداخلي، وبناء السياسات العامة، والتواصل مع الطلاب، والترويج لفكرة الاتحاد، وكان من التحديات والأسئلة الجادة غياب الدولة السورية وآليات العمل المنوط اتباعها خلال مرحلة اللا دولة، مما استدعى تحميل الاتحاد بعض من الواجبات والمسؤوليات لدعم الطلاب والتعامل مع المرحلة بوصفها مرحلة بناء وتمكين الفرد وبناء المؤسسات وفق متطلبات السياق السوري.
ومن التحديات التي واجهتها الهيئة العامة التأسيسية، هي اعتماد كلمة “الأحرار” ضمن الكيان حيث خاضت الاتحادات نقاشاً مطولاً مستفيدة من مخزون التجارب المدنية الأخرى خاصة من ناحية الاعتراف القانوني والتعامل مع المتغيرات السورية الجديدة، مما دفع في نهاية المطاف لإعادة صياغة الاسم تحت مسمّى “اتحاد طلبة سوريا” وفقاً لمقترح قدمته عدة اتحادات ووافقت عليه الهيئة العامة التأسيسية ليكون الاسم أكثر تعبيراً عن رؤية الاتحاد الاستراتيجية تجاه الكيان. كما حرص أعضاء الهيئة التأسيسية على استيعاب حالة تنظيمية بمفهوم فصل وتوازت السلطات وذلك عبر توزيع السلطة بتشكيل الهيئات الرقابية والاستشارية مما يحقق تمثيلاً كاملاً للهيئة العامة، ساعد ذلك على طي صفحة المؤسسات المشوّهة، وبدء بناء المؤسسات الحديثة التي تعلي من قيم التنظيم والحوكمة والشفافية.
بعد الانتهاء من المرحلة التأسيسية وعقد المؤتمر التأسيسي للاتحاد، بدأت الإدراة المنتخبة في الدورة الأولى العمل على تنسيب الاتحادات الجديدة، واعتماد مفهوم الهيئة العامة وفق ما نص عليه النظام الداخلي ضمن مرحلة ما بعد التأسيس بما يضمن تمثلاً عادلاً للطلاب، وقد تطوّر المفهوم بشكل أكبر من تمثيل المستفيدين إلى تمثيل المنتسبين وذلك في الدورة الثانية حيث اعتمد الاتحاد نظام التثقيل وبناء هرمية واضحة وفق ما نص عليه النظام الداخلي الأمر الذي رفضته بعض الاتحادات رغم إقرارها له عند التأسيس، كما شهدت الدورة الثانية عقد المؤتمر العام بشكل بشكل فيزيائي لأول مرة منذ تأسيس الاتحاد بعد مؤتمرين سابقين أونلايين.
أمّا في الدورة الثالثة فقد شهدت طفرة تنظيمية عالية من خلال إقرار مسودة تعديل النظام الداخلي لأول مرة، وتطوّر العمل النقابي عبر إقرار سياسات عمل أوضح من قبل الهيئات الإدارية، وإطلاق الموقع الالكتروني، وتقنين نظام التثقيل بجعله إلكترونياً، وتبني رؤية الاتحاد، وإصدار عدة أوراق معنية بواقع الطلاب السوريين داخل وخارج سوريا، ومع تبلور الحالة التنظيمة ولأسباب أخرى متنوعة قرر أعضاء الهيئة التأسيسية تنازلهم طواعيةً عن مقاعدهم الثابتة التي حُددت بخمس دورات وذلك للاعتقاد في حينه أن المرحلة قد تطلب خمس دورات وليس ثلاث دورات، ولا سيما بعد القفزات النوعية التي حققها الاتحاد في الدورتين الثانية والثالثة. وبهذا ينتقل الاتحاد رسمياً لمرحلة ما بعد التأسيس إلى التمكين والاستقرار.