اتحاد طلبة سوريا.. ثغرةٌ في جدار المستقبل
يُشهد لطلبة سوريا عند قراءة التاريخ السوري المعاصر منذ تأسيس المملكة السورية ومن ثم الجمهورية قدرتهم الكبيرة على مجابهة الاحتلالات والاستبداد بشكل عام، ولطالما كان للطلبة الشباب مساهمات كبيرة في الحراك المدني في المراحل الحساسة من عمر الدولة، فقلما غاب الشباب السوري عن الاستحقاقات الوطنية؛ فرغم الظروف والشروط الصعبة التي عاشها طلبة سوريا على مر التاريخ إلا أنهم استطاعوا تسخير كل أدواتهم المعرفية والتجريبية وإسقاطها على سوريا التي رزحت تحت نير الانتداب لما يزيد على ٤ عقود متتالية، المثير للاهتمام أن طلبة سوريا خلال مرحلة تأسيس الدولة انقسموا بين مناضل من الداخل على إمكانية البلاد الأكاديمية المتواضعة حينها ومناضل من الخارج، حيث قدموا إسهامات عظيمة عادوا بها لسوريا منها فقه العمل التنظيمي والمؤسساتي بما ينسجم مع تلك المرحلة.
فلم يكن حزب الشعب الذي تأسس العام ١٩٢٤ إلا خلاصات وطنية امتزجت بين النضال السياسي والمدني ولخشية الانتداب من الشباب تم منعهم بقانون رسمي من الدخول إلى الحزب مما دفعهم لامتهان النضال المدني، وقبل ذلك بعدة سنوات لا يمكن نسيان مساهمات السورية المناضلة نازك العابد التي وضعت حجر أساس أول برلمان سوري في التاريخ مستفيدة من ثقافتها الأكاديمية ومن شعبيتها بين الناس التي حظيت بها لدى استقبال لجنة كينع راين خاصة بعد أن اعتلت المنصة وخاطبت الناس بضرورة حق تقرير المصير، وفي ذات السياق إن ما قدمه فوزي الغزي وفارس الخوري وغيرهم كثر من شباب سوريا لجامعات كانت قيد التشكّل من الصعب ألّا يكون محل تقدير كبير لنا كشباب سوري خاصة مساهماتهم في كلية الحقوق في جامعة دمشق ومن ثم ترسيخهم لعلمهم في دستور سوريا الأول عام ١٩٣٠ الذي جاء بعد ثورة عظيمة “الثورة السورية الكبرى”.
إنّ بصمة طلبة سوريا في الكيانات الوطنية كانت كبيرة جداً ولا سيما بعد بداية مرحلة النضال السياسي، ولا سيما الواقعة العظيمة يوم إضراب الستين يوماً الذي بدأه شباب ومن ثم تلخص بتوقيع معاهدة الاستقلال العام ١٩٣٦ حيث كان طلبة سوريا من الأسباب البارزة والمباشرة لهذه المعاهدة التي مهدت لمرحلة جديد في سوريا، وخلال مرحلة ١٩٣٦ والعام ١٩٤٦ نشأت عشرات الكيانات الشبابية والطلابية والحزبية أو محاولات تأسيس نقابات طلابية في حماة في مؤتمر طلابي حينها، وربما من المهم في مكان عدم نسيان أهم حامل شبابي وطلابي للنضال في تاريخ سوريا “كشافة سوريا” الذي تأسس العام ١٩١٢ والتي منعت مرات عديدة من العمل من جراء انخراطها في النضال السوري الوطني.
لم تكن فترة انقلاب البعث العام ١٩٦٣ سوى تجسيد أو استكمال لما فعله الانتداب الفرنسي، عندما قام “أمين الحافظ” بقصف مدرسة سورية في محافظة حماة لرفضها الانقلاب العسكري، ومن ثم دخول سوريا في نفق مظلم على مدار عشر سنوات قبل سيطرة حافظ الأسد على الدولة مطلع السبعينات معلناً ولادة “سوريا الأسد” التي لا تشبه سوريا ولا السوريين، ومن المثير للاستغراب حينها قيام البعث باستصدار القانون التشريعي رقم ١٣٠ القاضي بتأسيس “الاتحاد الوطني لطلبة سورية” بخلاف ما يدعي في سرديته بخصوص تأسيس الاتحاد عام ١٩٥٠ وترأسه حافظ الأسد له.
وخلال فترة نظام الأسد، عوّل على تضليل الشباب السوريين والطلبة بالتحديد بروايات غير حقيقية، لأجل السيطرة على أهم المنافذ والمساحات القادر عبرها الطلبة التأثير والعودة لساحة الفعل، أو من خلال تشكيل ثقافة بديلة لأفكار النضال التي قام بها الطلبة خلال مرحلة ١٩١٨- ١٩٦٣ بكونه يخشى استحضار ذات التجارب في مقارعته، كذلك حاول إعادة هيكلة بعض الكيانات الطلابية مثل إيقاف عمل الكشافة السورية في عام 1982 بذريعة إقامة منظمة طلائع البعث واتحاد شبيبة الثورة.