مقالة رأي

المشاركة المجتمعية للطالب/ةالأثر والأهمية والتحولات

أحمد المصطفى – علوم سياسية

هذه المقال حائزة على المركز الثاني في مسابقة باسل شحادة لمقالات الرأي

لم تعد نهضة الدول ونموها اليوم تقتصر على تطبيق سياساتٍ خاليةٍ من التشارك بين المجتمع والسلطة، وأفراد المجتمع أنفسهم بمختلف شرائحهم الطلابية والنسائية والأكاديمية، والشبابية وغيرها. فما لم تلتزم الحكومات وواضعوا هذه السياسات بتوفير مناخٍ من التواصل والتشارك يدفع مختلف شرائح المجتمع نحو تفعيل دورها في بناء مستقبل أفضل تقدما وغدٍ أكثر ازدهاراً ومالم يمتلك أفراد المجتمع الوعي الكافي بأهمية المشاركة الاجتماعية وما لم تتحرك وتنخرط في لعب أدوارٍ متعددة داخل المجتمع وتتفاعل مع القضايا التي تمسها وتؤثر عليها سيكون من الصعب دفع عجلة المجتمع نحو النمو والتطور، فالمشاركة المجتمعية بكافة أشكالها وجوانبها أضحت ضرورة ملحة ومطلباً حضارياً لتحقيق الأهداف التنموية والسير نحو التغيير الذي يتطلب من كل فرد أن يتحمل مسؤوليته مع الآخرين بالقدر الذي يمكّنه من التفاعل والتأثير وتحقيق المشاركة الاجتماعية، في هذا المقال أحاول أن أجيب عن سؤال أهمية المشاركة المجتمعية للأفراد وتأثير تلك المشاركة على دولنا الوطنية.

أهمية وأثر المشاركة المجتمعية للفئة الجامعية

يمكن تعريف تلك المشاركة بأنّها عملية تفعيل دور الأفراد ومنظمات المجتمع المدني من مختلف نواحي الحياة وإتاحة الفرص أمام كل المكونات للمشاركة في صناعة القرارات وتنفيذها، ودفع مختلف الشرائح للمشاركة في رسم الأهداف ووضع الخطط الحكومية العامة، بجانب العمل من قبل الحكومات على توفير مساحاتٍ وفرصٍ حقيقية لتمكين المشاركة وتشجيع المبادرات الجماعية الرامية لرفع مستوى الوعي في هذا الشأن.

يقع على عاتق الحكومات الدور الأكبر في تفعيل المشاركة الاجتماعية من خلال دعم تشكيل التجمعات الشبابية والطلابية في الجامعات والمدارس ووضع سياسات تحفيزية لدفع الطلاب نحو تشكيل هذه التجمعات من خلال تقديم الدعم المادي والمعنوي واللوجستي وانشاء مراكز شبابية تكون مساحات حرة للتلاقي بين الشباب؛ يتم فيها تبادل الخبرات والمعارف والأفكار، وتكون منطلقاً فيها لممارسة دورها في المجتمع عبر تنظيم نفسها ضمن كوادر ومنظمات ونقابات تعمل داخل إطار المجتمع تعنى بالاهتمام بالعديد من القضايا الاجتماعية التي تمس حياة الفرد ومعيشته ومستقبله وحقوقه وواجباته. كما أنَّه من المهم وضع سياسات وخطط تعليمية يتم من خلالها تطوير نظام التعليم وإيلاء الجانب التطبيقي أهميةً بالقدر الذي يُعطى للجانب النظري ما يحفز الطلاب على المشاركة.

هذا، ولا تقتصر المشاركة الاجتماعية على شريحةٍ معينة، فلا يمكن لأي جهةٍ أن تحتكر العمل لنفسها داخل إطار المجتمع وتمنع غيرها من المشاركة في مختلف الأنشطة والبرامج الاجتماعية. ومن هنا، يبرز دور الطلاب في المجتمع بشكلٍ مختلف عن باقي الشرائح؛ حيث يظهر هذا الاختلاف باعتبارهم الفئة التي تتجهز وتتهيأ لإدارة المجتمع على كافة الأصعدة والمستويات، فضلاً عن كونهم من أوسع الشرائح انتشاراً وتواجداً بين الناس وتلاحمهم مع القضايا الساخنة والمستجدة داخل المجتمع وما يزيد من أهمية هذه الشريحة كونها على تماس مباشر مع الأوساط العلمية والأكاديمية في الجامعات.

لكن، أكثر ما يميز فئة الطلبة أنها تنبع من كونها الفئة الأكثر تفهماً لمتغيرات العصر وصاحبة قدرة على التعامل معها بانسيابية عالية، كذلك تعتبر هي الأفضل تعاملاً مع التكنولوجيا الحديثة وذلك لقدرتها على توظيفها في عملية المشاركة المجتمعية.

مساحات المشاركة المجتمعية للفئات الطلابيةيمكن أن تتحقق المشاركة المجتمعية لدى الطلبة في دولة القانون عبر عملهم في دفع المجتمع نحو التقدم ومساهماتهم في رفع مستوى الوعي بين الناس، والقضاء على التشوهات الفكرية المتعلقة بالعديد من المسائل الطبية والخرافات والاعتقادات اللا منطقية؛ التي لا تعتمد على أساس علمي والتعريف بالحقوق والواجبات والانخراط في الحركات الشعبية المشروعة وتنظيمها وقيادتها، والمساهمة في الأعمال الخيرية والتطوعية والسعي لتحقيق مصالح المجتمع.

وذلك على عكس الدول الدكتاتورية والشمولية السلطوية، التي تحتكر السلطة فيها كل مفاصل المجتمع، وتفرض رقابتها وسيطرتها على كل المؤسسات والنقابات، وتعدم كل الوسائل التي تسمح بتحقيق المشاركة الفعالة يكمن دور الطلاب الأساسي في البحث عن حلولٍ ومنافذ يتمكنون عبرها من مناورة هذه الحكومات وتحقيق أدنى قدرٍ ممكنٍ من المشاركة الاجتماعية، ودفع المجتمع نحو الحراك للمطالبة بحقوقه.

كما تتمظهر المشاركة المجتمعية للطلاب بعدة أشكال، منها المشاركة الفردية والتي تكمن من خلال نقل الطلاب لخبراتهم العلمية وما تعلموه في الوسط العلمي داخل الجامعة إلى المجتمع بشكلٍ مبسط ما يساعد على تصحيح المفاهيم المغلوطة والشائعات المنتشرة بين الناس، والقضاء على التشوهات الفكرية بخصوص الكثير من القضايا كالتي لها علاقة بالطب والهندسة والاقتصاد والسياسة والحقوق والتاريخ؛ كذلك إحدى أوجه المشاركة الفردية هي التطوع في الأعمال الخيرية والنشاطات التي تستهدف فئات معينة داخل المجتمع كالأطفال وذوي الإعاقة والأيتام.

كذلك من أشكال المشاركة الطلابية هي الجماعية، وذلك عبر التجمعات الطلابية التي ينشئها الطلاب لغاياتٍ مختلفة كالنقابات والاتحادات؛ التي تهتم بجذب الطلاب وتنظيمهم وتُعنى بإطلاق المبادرات التوعوية بالحقوق والواجبات وتساهم في المساعدة بتسيير شؤون الطلاب، فضلاً عن توفير كل وسائل الدعم لهم عبر التشبيك مع مختلف المراكز والمؤسسات بالإضافة إلى دورها بالانخراط في الحركات الشعبية المشروعة. كما يمكن اعتبار النوادي الطلابية داخل الجامعات بمسمياتها وأهدافها المختلفة كالتي تهتم بالشأن البيئي أو الرياضي أو العلمي وتسعى لإطلاق حملات وأنشطة توعوية في المجتمع تتوافق مع أهدافها، من أهم أشكال تلك المشاركة.

أمّا من ناحية تصنيف أنواع المشاركة فيمكن فرزها على أنّها سياسية، واقتصادية، وثقافية، حيث يمكن اعتبار المشاركة السياسية، من أهم جوانب المشاركة الطلابية، لما لها من أهميةٍ في رسم مستقبل الدولة وقد يخلط البعض بين المشاركة السياسية للطالب والعمل النقابي الطلابي؛ الذي يجب أن يبقى بعيداً عن التجاذبات السياسية حيث أن مشاركة الطالب السياسية يجب أن تكون بمعزل عن عمله ضمن سياق النقابة الطلابية، ويظهر دور الطلاب في الجانب السياسي عبر عدة أشكال منها الانخراط في الحركات الشعبية وتأدية دورٍ أساسي فيها وقيادتها والعمل مع الكوادر الشبابية للأحزاب السياسية داخل الجامعات وخارجها والمشاركة في رفع مستوى الوعي السياسي الجمعي والمشاركة في العملية الانتخابية والتصويت. أمّا من الناحية الاقتصادية، فقد يقع الدور الرئيسي للطلاب في هذا الجانب خاصةً على طلاب الاختصاصات الاقتصادية مساهمتهم في تصحيح العديد من المفاهيم الخاطئة وتقديم تحليلات وتفسيرات أكاديمية وعلمية مبسطة، بالقدر الذي تعلموه، كما أنها تساعد في تصحيح الفهم السائد والمغلوط بحق بعض الأزمات الاقتصادية وكيفية التعامل معها مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الدور يقع على عاتق الباحث والمختص الأكاديمي. أخيراً، تعدّ المشاركة الثقافية من أهمها إذ تتحقق بالعمل على إقامة المنتديات الفكرية، وتنظيم المحاضرات والندوات التعليمية والتماس المباشر مع المفكرين والمثقفين داخل المجتمع، وذلك لنقل التجارب والخبرات العلمية والأكاديمية إلى الأفراد وإيجاد مساحات حرة للتعبير والحوار وإطلاق مبادرات فردية وجماعية للتوعية بأهمية القراءة والتعلم.

المشاركة المجتمعية والطلاب

ساهم الطلبة الجزائريون دوراً كبيراً إبان الثورة الجزائرية بعد انطلاقها عام 1954 حيث تأسس الاتحاد العام للطلبة المسلمين في الجزائر بتاريخ 27 فبراير 1955 وكان أحد أهم الأذرع لجبهة التحرير الجزائرية، وساهم في دعم الثورة الشعبية بالمشاركة الفعلية فيها عبر عقد عدة لقاءاتٍ مع مفكرين وفلاسفة ومؤثرين فرنسيين للعمل على إقناعهم بحق الجزائر بالاستقلال كما كان للاتحاد دورٌ بارزٌ في الإضراب الذي أعلن عام 1956 انخرط الطلاب بعده في العمل المسلح وتستفيد الثورة الجزائرية من خبراتهم العلمية ليتصاعد بعد ذلك كفاح الطلاب ما اضطر الإدارة الاستعمارية الفرنسية لإعلان حل الاتحاد في يناير 1958 واعتقال الكثير من الطلاب ورغم ذلك استمر الطالب الجزائري بنضاله إلى أن تحررت الجزائر من الاستعمار الفرنسي عام 1962.

بينما يعتبر الحراك الطلابي في الولايات المتحدة الأمريكية، من أهم الحركات الطلابية حيث تمكّن من لعب دورٍ أساسي في العديد من القضايا المختلفة خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أصبح جزءاً من حركة الحقوق المدنية التي سعت إلى إلغاء قانون الفصل العنصري بين البيض والسود وحققت ذلك بعد كفاح حقوقي ومدني. كما مثّل حراك الطلاب في جامعة كاليفورنيا عام 1964 رداّ على القيود التي فرضتها الجامعة على الأنشطة السياسية وحرية التعبير نقطةً محوريةً في تاريخ الحراك الطلابي الأمريكي، كما كان للطلاب الأمريكيين أدواراً أخرى مهمة مثل الحراك ضد الحرب في فيتنام والحراك ضد السياسات الرأسمالية ولعبوا دوراً في حركة احتلال وول ستريت والاحتجاجات التي نظمت ضد سياسات أمريكا في الشرق الأوسط.

وقد ازداد دور الطلبة في المجتمع اليوم تمدداً وتوسعاً ليشمل العديد من الجوانب الاجتماعية بفضل شبكة الانترنت، التي مكنت الطالب من خلق مساحات جديدة ينطلق من خلالها ليقوم بتفعيل دوره في المجتمع؛ حيث أصبح الطالب أكثر قدرة على التواصل والتفاعل والاطلاع على الكثير من القضايا والمستجدات والتعبير عن أرائه وطرحها واطلاق المبادرات والمشاريع الالكترونية، وقد أدركت الكثير من الحكومات أهمية هذه الشريحة الواسعة وحاولت الاستثمار في طاقاتها وطبقت سياسات داعمة أدت لدمجها ضمن مساحات المشاركة والتفاعل الاجتماعي بينما تجاهلت حكوماتٌ أخرى وجود هذه الفئة واتبعت سياسات التكميم والاعتقال واحتكار العمل المدني والسياسي الذي همَّش دور الطلاب ودفعهم نحو الهجرة وحرمان مجتمعاتهم من كفاءاتهم. بالنتيجة يمكن القول أنه لا يمكن تجاهل دور الطلاب في المجتمع ولا ينبغي تهميش دور هذه الشريحة بل يجب العمل على إيجاد سياسات تمكين لطاقاتها وتأمين الأرضية المناسبة التي تدفعها نحو التحرك بشكل إيجابي وفعَّال داخل مجتمعاتها.

المراجع:

المنشاوي. محمد (٠١.٠٥.٢٠٢٤) هكذا ناضل طلاب أمريكا على مر تاريخها. الجزيرة نت.

شاهد على العصر. احمد الابراهيمي وزير التربية الجزائري السابق ورئيس الاتحاد العام للطلبة الجزائريين خلال الثورة الفرنسية. شاهد على العصر. قناة الجزيرة

اتحاد طلبة سوريا

مؤسسة نقابية طلابية مستقلة غير ربحية، تمثل الطلبة السوريين حول العالم، وتهتم بقضايا الطلاب السوريين الراهنة وبمستقبلهم، وتعمل على تأهيل جيل سوري مثقف، لأجل الانتقال إلى الدولة الوطنية الحديثة. تعمل هذه النقابة على مساعدة الطلبة السوريين من خلال البرامج والمشاريع الخدمية والتمكينية، وتقوم بنشاطات وتجري حوارات، وتطلق مبادرات، وتعمل لأن تكون مظلة جامعة لكل طلبة سوريا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button