الاتحاد في الإعلام

معوقات تحد من وصول الطالبات السوريات للتمثيل المتساوي في العمل الطلابي النقابي

قتيبة سميسم – أنقرة

تفرض العادات والتقاليد المرتبطة بالموروث الاستبدادي الذي خلفه نظام الأسد على مدار خمسة عقود لمشاركة المرأة في العمل النقابي ككل والطلابي على وجه الخصوص صورة نمطية تقلل من أهمية دورها حيث تعتبر الحلقة الأضعف في المجتمع وهذا يشكل تحد لها في سبيل إثبات الذات، إذ ترتبط هذه التقاليد بمحاولة ترسيخ السلطة الذكورية بشكل استبدادي ليس له أصل في الدين كما يعتقد البعض.

ترى سلمى البني وهي أول عضو مجلس إدارة منتخب في اتحاد طلبة سوريا أن الطالبة السورية تحتاج لأن تشعر بالطمأنينة والأمان ضمن إطار العمل، وفتح المساحات أمام الطالبة السورية لتمثيل زميلاتها نقابياً كونهن جزء أساسي من المجتمع ولهن التأثير الأكبر فيه، الأمر الذي يلزم اشراكهن في العمل النقابي.

وتضيف البني: تلعب العاطفة دورًا كبيرًا في العمل التطوعي الطلابي، حيث يعتبر هذا العمل بمثابة عمل إنساني. وتحتاج هذه المساحات إلى قدرة على ضبط الموازنات الاقتصادية، وهو أمر يمكن للإناث النجاح في إدارته بشكل أفضل من الذكور.

وتتابع: يشكل العمل التطوعي الطلابي فرصة قيمة للطالبات السوريات لتطوير مهاراتهن الاجتماعية والقيادية من خلال الانخراط في العمل الجماعي، ما يكسبهن الثقة بأنفسهن لتحقيق إنجازات تؤثر إيجاباً على المجتمع.

صراع على رأس الهرم

تعرضت فاطمة علي وهي طالبة سورية لحملة تطالب باستقالتها إثر الإعلان عن فوزها في انتخابات رئاسة اتحاد الطلبة السوريين في جامعة كوجايلي كونها امرأة، وطالبوا بأن يكون من يترأس الطلبة ضمن الكيان من الذكور بغض النظر عن إمكانياته بحسب وصفها.

وكانت فاطمة قد عملت كمتطوعة في اتحادها الطلابي كمسؤولة لشؤون الطالبات قبل أن تعتزم دخول المنافسة الانتخابية على رئاسة الفريق.

وتضيف: لم يكن الأمر متعلقاً بالخطة الانتخابية أو الكفاءة حيث كان برنامجي الانتخابي شامل للكثير من الجوانب الخدمية والحوكمية الإدارية، حيث تذرع المعترضون بأن الفلاح لا يشمل النساء في القيادة، ولكنني لن أقف عند هذا الأمر وسأتابع ممارسة عملي التطوعي الطلابي الذي أصبح جزء من شغفي لأتمكن من إثبات أن دور المرأة لا يقل عن دور الرجل في التقدم وعلى جميع أفراد المجتمع تقاسم المهام لترقى الأهداف.

على الضفة الأخرى يقول عمر حجازي (باسم مستعار) وهو أحد الطلاب في اتحاد الطلاب السوريين في كوجايلي في حديثه لصدى الشام: إن مشاركة المرأة السورية تحفها الكثير من الضغوطات سواء الأسرية أو المجتمعية وغيرها مما يؤثر على تجارب مشاركة المرأة في العمل النقابي واكتسابها للخبرة اللازمة في هذا المجال.

وتعليقاً على ما حدث في انتخابات اتحاد كوجايلي يضيف حجازي: لم تشكل الفائزة في الانتخابات الأولى “والتي كانت المرشحة الوحيدة فيها” فريقها الإداري رغم استلامها للمنصب لمدة شهرين، بينما يوجد في الفريق الإداري الجديد الذي شكل حاليا عدد من الطالبات تصل نسبتهم في الفريق إلى 50 بالمائة وهم فاعلات بشكل كبير ولا يجري تحييدهن أو إقصائهن.

فيما يتكرر المشهد في مدينة أفيون التركية، حيث تقول طالبة الطب بشرى الجاسم (22 عام) وهي مسؤولة مكتب شؤون الطلبة في اتحاد طلبة سوريا في حديثها لصدى الشام: منذ بداية عملي في المجال الطلابي التطوعي واجهت الكثير من الصعوبات وعلى رأسها التمييز على أساس الجنس، حيث كان البعض يتبنى فكرة أنه لا يمكن للنساء أن تتحمل مسؤوليات المهام القيادية ويجب أن يقتصر دورهن على المهام الموكلة إليهن وهي بطبيعة الحال فرص قليلة، ويعزي رواد هذا الفكر الأمر إلى نقص الخبرة والمهارات اللازمة لدى النساء، بينما كانت هناك فئة أكثر تطرفاً في هذا الموضوع ممن يرون أنه لا يمكن للمرأة بغض النظر عن خبراتها ومهاراتها في أي مجال أن تكون في منصب أعلى من أي رجل وأن دور القيادة الوحيد الذي تستطيع المرأة لعبه هو قيادة النساء فقط وحتى هذا الدور يجب ان يكون تحت وصاية ذكورية.

وتضيف الجاسم حول تجربتها: عندما قررت خوض تجربة الاتحادات الطلابية بدأت بالتحضير لدخول الانتخابات، كان الموضوع بالنسبة لي محض تنافس يفوز فيه صاحب الخبرة أو الشعبية الأكبر وربما كليهما، بيد أن الواقع الطلابي في مدينة أفيون كان مخيباً إذ أن قلة الوعي من جهة و التطرف الفكري من جهة أخرى كانا العائق الأكبر، فلم تكن خبرتي الممتدة لأربعة سنوات في المجال الطلابي و مهاراتي و تجاربي في القيادة و شهاداتي التدريبية و كل مواهبي  كافية لأفوز في الانتخابات التي  أقيمت في اتحاد الطلبة الناطقين بالعربية في أفيون، ومن ثم  في اتحاد طلبة سوريا أفيون، وكنت كل ما حاولت حشد الأصوات أُواجه بحملات علنية أو سرية تدعو لعدم السماح لي بالوصول للقيادة كوني امرأة  والسبب على حد قولهم الحديث الشريف: “ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” ،كان محزنٌ جداً أن يتم استخدام هذا الحديث كذريعة  لمحاربة  المرأة  والتغطية على عدم رغبة الرجل الشرقي بالاعتراف بوجود فتاة أمهر واكفأ منه، وربما كان فوز أي فتاة أو ترقيتها لأي منصب قيادي يعد تهديد لرجولة البعض.

قصص مُلهمة

آية خابور (25 عاماً) طالبة سورية، شغلت خلال فترة دراستها في مدينة طرابزون رئاسة “اتحاد طلبة سوريا – طرابزون” بعد أن فازت في انتخابات ديموقراطية، لتمثل زملائها في اتحاد طلبة سوريا العام.

تقول خابور في حديث لها لصدى الشام: كان لدي طموح وانجازات أسعى لتحقيقها لأثبت لكل طالبة سورية أن لنا وجود فعال في العمل الطلابي، والأمر لا يقتصر على الذكور، فترشحت لمنصب مسؤول مكتب العلاقات العامة في الاتحاد العام، وتم تعييني على الرغم من التحديات الكبيرة التي واجهتها كوني أنثى ويتوجب عليّ السفر إلى مدن أخرى وقد كنت أشهد استنكارًا للأمر من قبل البعض ورفض لظهوري وتصدري بعض المشاهد ومحاولة ربط الموضوع بأمور دينية، ولكنني وبفضل دعم أسرتي وزملائي استطعت المضي وتسلمت منصب ممثلة الطلبة السوريين في الإدارة العامة للهجرة التركية.
وتضيف خابور: لقد كان وجودي في الاتحاد في موقع هام حافزً للكثير من الطالبات ليترشحن لمناصب إدارية، حيث كنت مصدر إلهام لهن.

أما خريجة العمارة آمنة طلال، وهي من أوائل الطالبات اللواتي شغلن منصب الأمين العام للاتحادات الطلابية، حيث تولت مسؤولية رئاسة اتحاد طلاب سكاريا لعام 2019 وكان يجمع ما يزيد عن 1700 طالب وطالبة سورية، فتقول في حديثها لصدى الشام: في بادئ الأمر ترشحت بناءً على حاجة كبيرة ليكون هناك عنصر أنثوي يشجّع الطالبات للدخول إلى أجواء الاتحاد ونشاطاته، في ذاك الوقت كان عدد الطالبات قليل في الجامعة ونشاطهم خجول جداً، ولكن بعد ظهور نتيجة الانتخابات كانت لدينا تشكيلة إدارية هي الأولى من نوعها بوجود ثلاث طالبات فيها، الأمر الذي شجع الطالبات السوريات في سكاريا على الانضمام للاتحاد والمشاركة الفعالة فيه.
وعن الصعوبات التي واجهتها، تقول طلال: طالما كنت أتمنى وجود طالبات معي في الاجتماع التي اضطررت أن اخوضها وحيدة مع الذكور وكان الأمر يسبب لي بعض التوتر، كما أن التوفيق بين وقت الدراسة والعمل التطوعي من أكبر التحديات حيث كان الأخير يستهلك نصف وقتي.
وتختتم: من المهم جدا تواجد الطالبة السورية في ساحة العمل النقابي لأنها عنصر معطاء وقادرة على التأثير في المجتمع، وتحديد الأهداف بوضوح قد يكون المفتاح الرئيسي للنجاح.

بيانات رقمية ومؤشرات

في تصريح خاص لصدى الشام يقول وليد عجم عضو الهيئة الانتخابية في اتحاد طلبة سوريا: يمارس اتجاه الطالبة السورية اقصاء وتهميش وفي أفضل الأحوال تقليل من أهمية الدور الذي يمكن أن تشغله، ونتيجة زج الطالبات كمادة أساسية في الصراع بدأت تتشكل بيئة غير مشجعة لهن للمشاركة في العمل المجتمعي، إضافة إلى ذلك غالباً ما يكون هناك محاولات للوصاية على المرأة السورية وهذا يحد من مشاركتها في العمل النقابي والطلابي.

يضيف عجم: لا يشعر مجمل الشباب السوري بان مشاركة الفتاة السورية بأي حالة يعطي قيمة مضافة للقضية الوطنية إنما ينظر لها على أنها معوق، ومن المؤكد أن انعكاف الفتيات السوريات عن المشاركة ليس أمر ذاتي كما يتم الادعاء، إنما هو بفعل الضغط المجتمعي والتأطير الأيديولوجي.
ويتابع: تدق الأرقام ناقوس الخطر إذ كانت نسبة وجود الفتيات في الهيئة العامة لاتحاد طلبة سوريا العام الماضي ضعف ما هو عليه في الدورة الحالية، وذلك نتيجة حالة الاستقطاب وعدم تقبل مشاركتهن وفرض قيود يعتبر الخروج عنها أمر غير اعتيادي وموضع جدل.

حلول مقترحة لفرض التمثيل العادل

تقول رهام عُرابي والتي تشغل منصب الأمين العام لاتحاد طلبة سوريا في نيشانتاشي وعضو الهيئة الانتخابية في اتحاد طلبة سوريا في حديث لصدى الشام: بعد تجربة “اتحاد طلبة سوريا” النقابية التي تعزز مشاركة الفتاة السورية وتمكنها على مستويات عدة، أصبح من الطبيعي أن يكون هناك اجتماعات تترأسها فتاة، ومن الطبيعي أيضاً أن تكون مسؤولة مكتب أو عضو مجلس إدارة ووصلنا إلى حالة تقبل لوجودها في جميع المفاصل ولكن لا يزال هناك مشكلة التمثيل العادل، الأمر الذي لا يمكن تطبيقه إلا بفرض قوانين تعطي المرأة حقها في اتحاد طلبة سوريا، وصناعة قيادات من السوريات ووضعهن في مراكز صناعة القرار لنجيب على الاسئلة حول قدرتها على تولي القيادة.

وتضيف عُرابي: ما نقوم به في اتحاد طلبة سوريا هو إعادة بناء الثقافة الاجتماعية لدى الفتاة السورية وتعريفها بمسؤولياتها، وصناعة رموز خاصة بالطالبات السوريات لتكون كل منهن أيقونة تستلهم منها زميلاتها لتحويلهن من نماذج استثنائية إلى حالة طبيعية.

يجب على المجتمع أن يتقبل الحداثة التي فرضت نفسها، ويدرك أن الذكور لا يمكن أن يكونوا العنصر الوحيد في بناء المجتمع، كما يتوجب على المرأة أن تقوم بإعادة تعريف دورها في المجتمع وإعادة تعريف هويتها السياسية والاجتماعية لإيجاد مجتمع يبنيه جميع عناصره ومستقبل يصنعه الشباب.

اتحاد طلبة سوريا

مؤسسة نقابية طلابية مستقلة غير ربحية، تمثل الطلبة السوريين حول العالم، وتهتم بقضايا الطلاب السوريين الراهنة وبمستقبلهم، وتعمل على تأهيل جيل سوري مثقف، لأجل الانتقال إلى الدولة الوطنية الحديثة. تعمل هذه النقابة على مساعدة الطلبة السوريين من خلال البرامج والمشاريع الخدمية والتمكينية، وتقوم بنشاطات وتجري حوارات، وتطلق مبادرات، وتعمل لأن تكون مظلة جامعة لكل طلبة سوريا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى